
من المدهش أن نسمع من رئيس منظمة يُفترض أن تكون مرجعًا في التوعية الاقتصادية والاستهلاكية، تصريحًا مبنيًّا على الانطباع لا على المؤشرات الواقعية للأسواق الدولية. فحين يُقال إن سعر لتر زيت الزيتون “يجب ألا يتجاوز 10 دنانير”، فالسؤال العلمي والمنهجي البديهي هو: بناءً على أيّ معيار؟ هل تمّ الرجوع إلى البورصات العالمية لزيت الزيتون؟ هل تمّ تحليل تكاليف الإنتاج، والتخزين، والتحويل، والنقل، والضرائب؟ أم أننا ما زلنا نحاكم الأسعار بعقلية “الوجدان الشعبي” بدل المعايير الاقتصادية الدقيقة؟ زيت الزيتون اليوم سلعة استراتيجية ذات سوق عالمية منظمة ومؤشرات بورصوية واضحة، ترتبط بعوامل العرض والطلب، والمناخ، وجودة الصنف، وحتى بالوضع الجيوسياسي في حوض المتوسط. فحين يتحدث الخبراء الدوليون عن الأسعار، فإنهم لا يتحدثون من فراغ، بل من نظام تسعير بورصوي شفاف يضبطه منطق السوق، لا منطق الأمنيات. ثم إن الدعوة إلى “عدم بخس المنتوج الوطني” لا تكون عبر فرض سعر عشوائي للمستهلك، بل عبر بناء منظومة تثمين شاملة: دعم الفلاح لا بخسه، تمكين وحدات التعليب لا خنقها، وتشجيع الاستهلاك الداخلي من منطلق جودة المنتج لا منطق الشعارات. إنّ من العيب أن نُطالب الفلاح التونسي بأن يبيع جهده وعرقه بسعر “يجب ألا يتجاوز 10 دنانير”، في وقتٍ تُسعّر فيه نفس القطرة في السوق العالمية بما يفوق ذلك بأضعاف. الثبات في البورصة، لا في التصريحات الإذاعية، هو ما يحدد القيمة. ومن لا يقرأ المؤشرات العالمية فليتعفّف عن إصدار الأحكام السوقية.
بقلم الدکتور نبیل فاضل



